الخميس، 20 مارس 2014

أهمية السنة النبوية والتمسك بها

المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، وأصلي وأسلم على السراج المنير - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) وقال تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) . أما بعد :
قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي ) وقوله : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ...) .
فسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي الطريق الموصل للجنة ، فلأجل ذلك اخترت هذا المبحث البسيط المتواضع في شي من أهمية السنة والتمسك بها ، واستدللت على ذلك بأقوال من أقوال الصحابة الأطهار - رضي الله عنهم - وبعضا من أقوال من سلف من هذه الأمة المباركة .
ووجدت من الكتب والدراسات الجيدة والمحققة في هذا الموضع كنحو : السنة للدكتور : مصطفى السباعي و معالم السنة النبوية للدكتور : عبد الرحمن عتر وغير ذلك .
وقد جعلت هذا المبحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث بثلاثة فصولها وخاتمة ومصادر ومراجع وختمت ذلك بفهرس لأبرز ما يدور عليه هذا البحث .
وسيتضح للقارئ بارك الله فيه أن منهجي في هذا المبحث سيكون على طريقة المنهج الاستنباطي فعند البحث في هذا الموضوع وسبر أقسامها ، وعظم هذا الموضوع فلن يكن بإرادتي بعد الله عزوجل أن أحتوي هذا الموضوع بجميع صوره وفروعه ، مما جعلني أقطف من كل بستان زهرة والسنة كلها بستان يانع فصلى الله وسلم عليه .



التمهيد
اخترت بعضا من المصطلحات المتكررة في هذا المبحث ليسهل على القارئ إدراك ما أصبو إليه ومن ذلك :.
• تعريف السنة النبوية لغة واصطلاحا :
السنة لغة : مأخوذة من سنً وتأتي سنً بمعنى بيًن يقال سن الأمر بينه وسن الله سنة : بين طريقا قويما ومصدر سن بفتح السين والاسم هو السنة وجمعها سنن بضم السين وحكي ابن منظور الجواز بفتح السين وكسرها سَنن وسِنن وتطلق في العرف على الطريقة المحمودة المستقيمة .
السنة اصطلاحا :
وتطلق السنة في الاصطلاح على عدة معان:
1 - تطلق على ما يقابل القرآن ، ومن ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم – ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ) .
2 - وتطلق على ما يقابل البدعة فيقال: أهل السنة وأهل البدعة .
3 - وتطلق عند المحدثين على ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلُقية أو خلْقية ، وما يتصل بالرسالة من أحواله الشريفة قبل البعثة ونحو ذلك .
4 - وهي عند الفقهاء من الأحكام الخمسة : الفرض ، السُّنة ، الحرام ، المكروه ، المباح .
وربما لا يراد بها إلا ما يقابل الفرض ، كقولنا : فروض الوضوء وسننه فإنه لا يقابل بها الحرام والمكروه في هذا الموطن .
5 - وتطلق عند الأصوليين على ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير .
6 - وتطلق السنة على ما عمل به الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك قول النبي ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) .
• حجية السنة :
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله - عز وجل - وقد ورد ما يؤكد على حجيتها آيات ومنها قوله تعالى : (( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )) . فقرن سبحانه وتعالى طاعته بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبيًن أن من يعرض عن طاعته - صلى الله عليه وسلم - فقد سلك سبيل الكافرين قال تعالى : (( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )) . فجعل سبحانه إتباع السنة دليلا على محبته لعبده - سبحانه وتعالى - وبيًن أن طاعته هي السبيل الموصل لطاعة الله سبحانه وتعالى قال تعالى : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله ..)) . إلى غير ذلك من الآيات .

فهذه الآيات دلت على إتباع السنة فكذلك هناك أحاديث دلت على السنة وأهميتها والتمسك بها ومن ذلك .
قوله ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ..) .
وقوله ( ألا إني أوتيت الكتاب ومعه ..) .

• حقيقة السنة
يمكن تقسيم السنة النبوية من حيث مصدرها إلى قسمين :.
1/ وحي من الله سبحانه بمعناها .
2/ اجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم .

أما الأول فكما نزل الوحي بالقران الكريم فقد نزل بالسنة النبوية إلا أن نزوله بالقران كان بلفظ معجز وأما السنة فكان بإيحاء المعنى للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا إني أوتيت الكتاب ومعه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القران فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ..) .
أما الثاني فقد اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان ما نزل عليه من القران الكريم فكانت السنة النبوية شارحة للقرآن الكريم فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما أحرم الله في كتابه ) .








المبحث الأول وفيه فصول :.
الفصل الأول : أهمية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني : وظيفة السنة
الفصل الثالث : متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الرابع : الاحتياط في تدوين السنة



المبحث الثاني وفيه فصول :.
الفصل الأول : الحرص على حفظ الحديث النبوي
الفصل الثاني : حفظ النساء للسنة النبوية
الفصل الثالث : حفظ الأطفال للسنة النبوية



المبحث الثالث وفيه فصول :.
الفصل الأول : الرحلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني : رحلة الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثالث : رحلة التابعين ومن بعدهم





المبحث الأول وفيه فصول
الفصل الأول : أهمية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

ولأهمية طاعته صلى الله عليه وسلم ذكرها الله - سبحانه وتعالى - في محكم كتاب فقال عز وجل : (( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )) وقال تعالى : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقال تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وحث سبحانه على عدم عصيان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( يا أيها اللذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )) .
وقال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) . وحذر من مخالفة هديه - صلى الله عليه وسلم - أشد تحذير فقال سبحانه : (( فليحذر اللذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) . واعتبر سبحانه وتعالى من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الاختلاف فقال سبحانه : (( ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين )) . من هذه الآيات كلها وغيرها يتضح مدى أهمية طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنها هي السبيل الموصل لطاعة الله سبحانه وتعالى ألا ترى إلى ذلك ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الدليل الذي يظهر جلياً مدى طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . و ( خذوا عني مناسككم ) . وغيرها من الأدلة .
وقد بلغ من الصحابة رضوان الله عليهم عظم طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخوف من عصيانه يقول : ابن مسعود - رضي الله عنه – أنه جاء يوم الجمعة والنبي يخطب فسمعه يقول ( اجلسوا ) فجلس بباب المسجد حيث سمع النبي صلى الله عليه وسلم فرآه النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: ( تعال يا ابن مسعود ) .
ونظير هذا وعكسه ما ورد في صحيح مسلم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يأكل بشماله فقال له : - صلى الله عليه وسلم - (كل بيمينك فقال : لا أستطيع . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا استطعت . ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه ) .
وهكذا يتضح مدى أهمية طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعظم عصيانه بعدم الامتثال له بالطاعة صلى الله عليه وسلم .



الفصل الثاني : وظيفة السنة
القرآن الكريم دستور الإسلام وهو المرجع الأول في التشريع الإسلامي ، وقد جاء بمبادئ عامة لابد من بيانها وتفصيلها فجاءت السنة النبوية بهذه المهمة ، وكان لها وظيفتان أساسيتان هي :

1/ بيان السنة للقرآن الكريم : لقد كانت مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان القرآن وتوضيحه وتفسيره قال تعالى : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) . فالسنة النبوية بيَنت القرآن بتفصيل أحكامه ، أو بتقييد مطلقه ، أو بتخصيص عامه ، أو بتوضيح مبهمة ، أو بتأكيد ما جاء به ونحو ذلك :.
أ/بتفصيل أحكامه المجملة : فقد أمر القرآن الكريم بالصلاة والصيام والزكاة ونحوها فجاءت السنة وفصلت هذه الأحكام وبينتها قال تعالى : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ..)) . فجاءت السنة وبيَنت مقدار الزكاة ربع العشر في الأموال وهكذا .
ب/ تقييد الأحكام المطلقة في القران الكريم : قال تعالى : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم )) . فلفظ اليد ورد هنا لفظا عاما فجاءت السنة وبينت ذلك وقيدته باليد اليمنى من مفصل الكف .
ج/ تخصيص الأحكام العامة : كما قال تعالى : (( وأحل الله البيع ... )) . فالبيع حلال فهو لفظ عام يشمل البيع الصحيح ، والبيع الفاسد ولكن السنة النبوية بينت المراد من هذه الآية وهو البيع الصحيح .
د/ تأكيد ما جاء به القرآن الكريم : قال تعالى : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )) . وقال تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على اللذين من قبلكم )) . وقال تعالى : (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) . فهذه الآيات وغيرها أفادت الوجوب ، فجاءت السنة وأكدت ذلك بأحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم - ( بني الإسلام على خمس وذكر منها و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ) .
2/ استقلال السنة بالأحكام التشريعية : فقد ثبت في السنة أحكاما لم يتطرق إليها القرآن الكريم ، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها ) .
وسواء كانت السنة تابعة للقران الكريم أو مستقلة عنه ، فإنما هي مما أتانا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .



الفصل الثالث : متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
تتأتى متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستمساك بسنته وإتباع هديه عليه الصلاة والسلام فما من خير إلا ودلنا عليه ، وما من شر إلا حذرنا منه بل وحثنا عليه الصلاة والسلام بالاستمساك بسنته والعضِ عليها قال عليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة في الدين بدعه وكل بدعة ضلاله ) .
فمن محبتنا له عليه الصلاة والسلام متابعته في الأقوال والأفعال واتخاذ ذلك أسوة حسنة قال عز وجل : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) .
وأظهر لوازم محبته - صلى الله عليه وسلم - إتباع ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه حيث قال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) .
ومن محبته وإتباع ما جاء به الدفاع عنه ، ومجاهدة العصاة المفترين عليه الكذب المتجاهلين عقوبة الكذاب على النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : ( من كذب علي متعمدا فليتبؤا مقعده من النار ) .
ومن لوازم إتباعه - صلى الله عليه وسلم - العمل بما أمرنا به على لسان الله سبحانه وتعالى قال تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) .
فمتابعته - صلى الله عليه وسلم - دليل على أهمية السنة وهذه الآيات والأحاديث لم تأتي إلا في ديننا الحنيف وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - خير شاهد على ذلك .



الفصل الرابع : الاحتياط في تدوين السنة
كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - هو أول من احتاط في قبول الأخبار قال الحافظ الذهبي : ( روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب : أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا ، وما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك شيئا . ثم سأل الناس ؟ فقام المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فقال : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال له : هل معك أحد ؟ فشهد محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه ) .
فأراد بذلك التثبت في رواية الحديث ولم يقصد تهمة المغيرة ولا سوء الظن به قال الذهبي : )) فعل ذلك للتثبت في الرواية وللاحتياط في الضبط لا لتهمة أو سوء ظن )). ثم قال الذهبي : (( وإليه أبو بكر المنتهى في التحري والقبول )) .
وكذلك فعل عمر بن الخطاب مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - في حديث الاستئذان شاهدا تقوية وتثبيتا قال الذهبي - رحمه الله - في ترجمة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( وهو الذي سنَ للمحدثين التثبت في النقل ، وربما كان يتوقف في خبر الواحد فروى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن أبا موسى الأشعري سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له ، فرجع فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يُجب فليرجع ) قال أي عمر : لتأتيني على ذلك ببينة أو لأ فعلن بك كذا وكذا فجاءنا أبو موسى منتقعاً لونه ونحن جلوس فقلنا ما شأنك ؟ فأخبرنا وقال : فهل سمع أحد منكم ذلك ؟ فقلنا نعم . كلنا سمع فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره ). وقال عمر لأبي موسى : ( إني لم أتهمك ولكن أحببت أن أتثبت ) . وفي رواية قال عمر : لأبي موسى : ) أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وهكذا كان علي - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة رضي الله عنهم .




المبحث الثاني وفيه فصول
الفصل الأول : الحرص على حفظ الحديث النبوي

عنِيت هذه الأمة الإسلامية بالسنة النبوية عناية فائقة لم تسبقنا أمة بذلك ، وذلك بحفظ السنة حتى اشتهر بذلك علماء تخصصوا بهذا العلم كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم وهذا الحرص كان مراداً للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قال ذات يوم لأصحابه : ( نضًر الله امرأ سمع منا حديثا ....) . وقال أيضا في حجة الوداع طالبا من صحابته - رضي الله عنهم - أن يبلغوا ذلك فقال : ( ليبلغ شاهدكم غائبكم فرب مبلغ أحفظ من سامع ) .
قال الإمام الرازي رحمه الله : ( لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة فقال له رجل : يا أبا حاتم ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح فقال : علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها ) .
وعلى هذا أقبل الصحابة والتابعون ومن بعدهم على حفظ الحديث النبوي يحفظونه ويؤدونه لمن بعدهم ويتدارسونه فيما بينهم ، ويعتبرون ذلك عبادة ويفضلونه على صلاة النافلة قال وكيع رحمه الله : ( لو أعلم أن الصلاة صلاة النافلة أفضل من الحديث ما حدثت ) .
وكان بعضهم يقيم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعلم أمور دينه ويحفظ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليعود إلى قومه فيعلمهم كما تعلم مالك بن الحويرث – رضي الله عنه -قال : ( أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا ، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه وكان رفيقا رحيما فقال : ( ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم ) .



الفصل الثاني : حفظ النساء للسنة النبوية
لم تكن النساء بمعزل عن الرجال بحفظ السنة فلقد بادرن وحفظن السنة النبوية فلقد أتين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلبنه أن يخصص لهن يوما كما للرجال فقال - صلى الله عليه وسلم : ( موعدكن بيت فلانة ). وأتاهن في ذلك اليوم ولذلك الموعد قال أبو هريرة : فكان مما قال لهن : ( ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة ) فقالت امرأة منهن : أو اثنتان قال : أو اثنتان ) . لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمور دينهن ويتلقين الإجابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويروين ذلك لمن بعدهن .
وها هي الجارية أتت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فريضة الحج أدركت أباها وهو شيخ كبير فهل يجزئ عنها الحج إن هي حجت نيابة عنه فيجيبها ( نعم فأدي عن أبيك ) .



الفصل الثالث : حفظ الأطفال للسنة النبوية
هكذا أيضا كان لأطفال الصحابة - رضي الله عنهم - شرف في رواية الحديث فقد ساهموا في نقل السنة صغيرها وكبيرها قال سمرة بن جندب - رضي الله عنه - : ( لقد كنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلاما فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني وقد صليت خلف - رسول الله صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وسطها ) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - كان يروي الكثير من الأحاديث وهو غلام صغير ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله وإ ذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشي لم يضروك إلا بشي قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ).
قال عبد الله بن داود : ( ينبغي للرجل أن يكره ولده على سماع الحديث ) .





المبحث الثالث وفيه فصول
الفصل الأول : الرحلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم

أشرف رحله إلى أشرف خلق الله - صلى الله عليه وسلم -
شرف عظيم بأن يذهب العبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأله في مسألة ما .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من القوم ؟ أو من الوفد ؟ قالوا : ربيعة . قال : ( مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى ) فقالوا يا رسول الله : إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مُضر فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة ....) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك ؟ قال صدق قال : فمن خلق السماء ؟ قال الله . قال فمن خلق الأرض قال الله . قال فمن نصب هذه الجبال :وجعل فيها ما جعل قال : الله . ... الحديث . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن صدق ليدخلن الجنة ) .
وبذلك ابتدأت رواية الحديث تأخذ في السعة والانتشار .
وهذا مما يدل على أهمية السنة والتمسك بها فعندما استغرب هذا الرجل وشك ذهب يقطع القفار ويسأل ويتأكد فعندما أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك اطمئن وازداد بذلك تمسكا وثباتا .



الفصل الثاني : رحلة الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
تفرق الصحابة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمصار وازدادت الفتوحات وانتشر الإسلام في أصقاع الدنيا شرقا وغربا جنوبا وشمالا ولم يكن هناك أحدا من الصحابة جمع علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كله لكثرته الوافرة فقد رحل جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - من المدينة إلى بلاد الشام في حديث واحد (عن ابن عقيل أن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( فابتعت بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت إلى الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس فبعثت إليه أن جابرا بالباب فرجع الرسول فقال : جابر بن عبد الله ؟ فقلت نعم . فخرج فاعتنقني قلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المظالم لم أسمعه خشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يحشر الله العباد أو الناس عراة غرلاً بهما قلنا ما بهما ؟ قال : ليس معهم شي فيناديهم بصوت يسمعه من بعُد كما يسمعه من قرُب : أنا الملك لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة قلت : وكيف ؟ وإنما نأتي الله عراة بهما ؟ قال : بالحسنات والسيئات ) .
يقول الحاكم النيسابوري - رحمه الله - ( وجابر بن عبد الله على كثرة حديثه وملازمته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحل إلى من هو مثله أو دونه مسافة بعيده في طلب حديث واحد ) .
وغير ذلك من القصص والأخبار ولهذا من عظم السنة طوى لها الأرض طيا وما يدريك أي حديث يكون لك به الرفعة في الجنان والنجاة من النيران .



الفصل الثالث : رحلة التابعين ومن بعدهم
سلك التابعون ومن بعدهم مسلك من سبق من الصحابة - رضي الله عنهم - في الرحلة لطلب الحديث وسجلوا أنصع وأبهى الصفحات في تاريخ الثقافة الإسلامية وكان لهم الفضل في رواية الحديث عن الصحابة - رضي الله عنهم - حتى كان أحدهم يخرج وما يخرجه إلا حديث عند صحابي يريد أن يسمعه منه لأنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو العالية : كنا نتسمع الرواية عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بالبصرة فما نرضً حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم ) .
وقال سعيد بن المسيب - رحمه الله - ( إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد مسيرة الليالي والأيام ) .
ورحل الإمام الشعبي - رحمه الله - في طلب ثلاثة أحاديث ذكرت له وقال : ( لعلي ألقى رجلا لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
فما ضرب هؤلاء السلف هذه المسافات وتحمل المشاق إلا لما وقر في قلوبهم من أهمية السنة بل وأهمية التحقق من هذه السنة وهل هي ثابته أم غير ذلك .
هذا عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - لما سمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تبع جنازة من بيتها حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى توارى في قبرها فله قيراطان، والقيراط كجبل أحد، بكى عبد الله بن عمر وقال: والله لقد فرطنا في قراريط كثيرة ) .




الخاتمة (( النتائج والتوصيات ))
وبعد الانتهاء من هذا المبحث المتواضع لأهمية السنة والتمسك أشكر الله عزوجل أن يسَر لي وأعانني عليه أولا ثم أشكر أخي على ما أبدا لي من اقتراحات وأشار لي إليها ثم أصلي وأسلم على السراج المنير محمد عليه أزكى صلاة وأتم تسليم .

وبعد ذلك يمكننا أن نستنتج من ذلك أبرز ما توصلت إليه وهي على النحو التالي :.
1/ عٍظم السنة وأهميتها وأنها هي السبيل الوحيد بعد القرآن في معرفة الأحكام الشرعية .
2/ أن تعظيم السنة يورث العبد الطمأنينة في عباداته ومعاملاته .
3/ أن الخير كله في الإقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته .
4/ ضرب القفار والسعي للحصول على العلم لم يكن بالأمر الهيًن في ذلك الزمان والحصول على المعلومة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
5/ عٍظم هذه السنة من التحريف والتبديل فلم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يقبلون بالخبر حتى يمعنون النظر في ذلك ويستشهدون له من خيارهم كي يتثبتوا من ذلك ويتحرزون لسنته صلى الله عليه وسلم .


ومما أوصي به نفسي أولا ولجميع المسلمين في ذلك عدة وصايا هي :.
1/ حث المجتمع بين الفَينة والأخرى للتزود من السنة .
2/ نشر السنة الصحيحة كل حسب مقدرته وطاقته قال تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
3/ طباعة مطويات بأشكالها المختلفة عن السنن النبوية وأهميتها .
4/ الغرس في الأطفال الصغار حب السنة وكيف كان يتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصغار .
5/ بث برامج مرئية وصوتية عن السنة في التلفاز والمذياع ومن منبر الخطيب والإمام .
6/ التواصي بين بعضنا البعض واستغلال تلك الفرص كالبرامج الاجتماعية ( تويتر ، فيسبوك ، واتس أب ) وغير ذلك لما فيها من الفائدة وسرعة وصول تلك المعلومة ومدى انتشارها على أكبر نطاق للشخص .


فهرس المصادر والمراجع
1/ القرآن الكريم
2/ السنة النبوية ومنها :.
صحيح البخاري / هو الإمام المحدث : محمد بن إسماعيل البخاري / الجامع الصحيح / ت: 256
صحيح مسلم / هو الإمام المحدث : محمد بن الحجاج النيسابوري / صحيح مسلم / ت: 875
سنن الترمذي / هو الإمام المحدث :محمد بن عيسى بن سورة الترمذي /سنن الترمذي / ت: 279
سنن أبي داود / هو الإمام المحدث : سليمان بن الأشعث بن اسحاق / سنن أي داود / ت: 275
سنن أبي ماجه / هو الإمام المحدث : محمد بن يزيد بن ماجه / كتاب السنن / ت: 273
مسند الإمام أحمد / هو الإمام الفقيه المحدث: أحمد بن حنبل الشيباني /مسند الإمام أحمد /ت: 241
موطأ الإمام مالك / هو الإمام الفقيه المحدث: مالك بن أنس بن مالك /موطأ الإمام مالك /ت: 179
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي / د . مصطفى السباعي / المكتب الإسلامي : الطبعة الثانية 1398 / ت: 1384
معالم السنة النبوية / د . عبد الرحمن عتر / مكتبة المنار بيروت : الطبعة الثانية 1412
تذكير المسلمين بإتباع سيد المرسلين / الشيخ : عبد الله بن جار الله آل جار الله : المديرية العامة للمطبوعات بوزارة الإعلام : الطبعة الأولى 1410
تيسير مصطلح الحديث / د . محمود الطحان / مكتبة المعارف : الطبعة العاشرة 1425
معرفة علوم الحديث / العلامة : محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ت : 405
شرف أصحاب الحديث / أحمد بن عبد المجيد المعروف بالخطيب البغدادي / ت : 463
الرحلة في طلب الحديث / أحمد بن عبد المجيد المعروف بالخطيب البغدادي / ت : 463
جامع بيان العلم وفضله / العلامة : يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ت : 463
فتح الباري / أحمد بن علي بن حجر العسقلاني / ت : 852
مشكاة المصابيح / العلامة : محمد بن ناصر الدين الألباني / ت : 1420
سير أعلام النبلاء / الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي / ت: 748
تذكرة الحفاظ / الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي / ت: 748

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق