الخميس، 20 مارس 2014

أهمية السنة النبوية والتمسك بها

المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، وأصلي وأسلم على السراج المنير - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) وقال تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) . أما بعد :
قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي ) وقوله : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ...) .
فسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي الطريق الموصل للجنة ، فلأجل ذلك اخترت هذا المبحث البسيط المتواضع في شي من أهمية السنة والتمسك بها ، واستدللت على ذلك بأقوال من أقوال الصحابة الأطهار - رضي الله عنهم - وبعضا من أقوال من سلف من هذه الأمة المباركة .
ووجدت من الكتب والدراسات الجيدة والمحققة في هذا الموضع كنحو : السنة للدكتور : مصطفى السباعي و معالم السنة النبوية للدكتور : عبد الرحمن عتر وغير ذلك .
وقد جعلت هذا المبحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث بثلاثة فصولها وخاتمة ومصادر ومراجع وختمت ذلك بفهرس لأبرز ما يدور عليه هذا البحث .
وسيتضح للقارئ بارك الله فيه أن منهجي في هذا المبحث سيكون على طريقة المنهج الاستنباطي فعند البحث في هذا الموضوع وسبر أقسامها ، وعظم هذا الموضوع فلن يكن بإرادتي بعد الله عزوجل أن أحتوي هذا الموضوع بجميع صوره وفروعه ، مما جعلني أقطف من كل بستان زهرة والسنة كلها بستان يانع فصلى الله وسلم عليه .



التمهيد
اخترت بعضا من المصطلحات المتكررة في هذا المبحث ليسهل على القارئ إدراك ما أصبو إليه ومن ذلك :.
• تعريف السنة النبوية لغة واصطلاحا :
السنة لغة : مأخوذة من سنً وتأتي سنً بمعنى بيًن يقال سن الأمر بينه وسن الله سنة : بين طريقا قويما ومصدر سن بفتح السين والاسم هو السنة وجمعها سنن بضم السين وحكي ابن منظور الجواز بفتح السين وكسرها سَنن وسِنن وتطلق في العرف على الطريقة المحمودة المستقيمة .
السنة اصطلاحا :
وتطلق السنة في الاصطلاح على عدة معان:
1 - تطلق على ما يقابل القرآن ، ومن ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم – ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ) .
2 - وتطلق على ما يقابل البدعة فيقال: أهل السنة وأهل البدعة .
3 - وتطلق عند المحدثين على ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلُقية أو خلْقية ، وما يتصل بالرسالة من أحواله الشريفة قبل البعثة ونحو ذلك .
4 - وهي عند الفقهاء من الأحكام الخمسة : الفرض ، السُّنة ، الحرام ، المكروه ، المباح .
وربما لا يراد بها إلا ما يقابل الفرض ، كقولنا : فروض الوضوء وسننه فإنه لا يقابل بها الحرام والمكروه في هذا الموطن .
5 - وتطلق عند الأصوليين على ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير .
6 - وتطلق السنة على ما عمل به الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك قول النبي ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) .
• حجية السنة :
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله - عز وجل - وقد ورد ما يؤكد على حجيتها آيات ومنها قوله تعالى : (( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )) . فقرن سبحانه وتعالى طاعته بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبيًن أن من يعرض عن طاعته - صلى الله عليه وسلم - فقد سلك سبيل الكافرين قال تعالى : (( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين )) . فجعل سبحانه إتباع السنة دليلا على محبته لعبده - سبحانه وتعالى - وبيًن أن طاعته هي السبيل الموصل لطاعة الله سبحانه وتعالى قال تعالى : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله ..)) . إلى غير ذلك من الآيات .

فهذه الآيات دلت على إتباع السنة فكذلك هناك أحاديث دلت على السنة وأهميتها والتمسك بها ومن ذلك .
قوله ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ..) .
وقوله ( ألا إني أوتيت الكتاب ومعه ..) .

• حقيقة السنة
يمكن تقسيم السنة النبوية من حيث مصدرها إلى قسمين :.
1/ وحي من الله سبحانه بمعناها .
2/ اجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم .

أما الأول فكما نزل الوحي بالقران الكريم فقد نزل بالسنة النبوية إلا أن نزوله بالقران كان بلفظ معجز وأما السنة فكان بإيحاء المعنى للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا إني أوتيت الكتاب ومعه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القران فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ..) .
أما الثاني فقد اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان ما نزل عليه من القران الكريم فكانت السنة النبوية شارحة للقرآن الكريم فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما أحرم الله في كتابه ) .








المبحث الأول وفيه فصول :.
الفصل الأول : أهمية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني : وظيفة السنة
الفصل الثالث : متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الرابع : الاحتياط في تدوين السنة



المبحث الثاني وفيه فصول :.
الفصل الأول : الحرص على حفظ الحديث النبوي
الفصل الثاني : حفظ النساء للسنة النبوية
الفصل الثالث : حفظ الأطفال للسنة النبوية



المبحث الثالث وفيه فصول :.
الفصل الأول : الرحلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني : رحلة الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثالث : رحلة التابعين ومن بعدهم





المبحث الأول وفيه فصول
الفصل الأول : أهمية طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

ولأهمية طاعته صلى الله عليه وسلم ذكرها الله - سبحانه وتعالى - في محكم كتاب فقال عز وجل : (( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )) وقال تعالى : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقال تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وحث سبحانه على عدم عصيان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال : (( يا أيها اللذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )) .
وقال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) . وحذر من مخالفة هديه - صلى الله عليه وسلم - أشد تحذير فقال سبحانه : (( فليحذر اللذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) . واعتبر سبحانه وتعالى من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الاختلاف فقال سبحانه : (( ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين )) . من هذه الآيات كلها وغيرها يتضح مدى أهمية طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنها هي السبيل الموصل لطاعة الله سبحانه وتعالى ألا ترى إلى ذلك ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الدليل الذي يظهر جلياً مدى طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . و ( خذوا عني مناسككم ) . وغيرها من الأدلة .
وقد بلغ من الصحابة رضوان الله عليهم عظم طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخوف من عصيانه يقول : ابن مسعود - رضي الله عنه – أنه جاء يوم الجمعة والنبي يخطب فسمعه يقول ( اجلسوا ) فجلس بباب المسجد حيث سمع النبي صلى الله عليه وسلم فرآه النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: ( تعال يا ابن مسعود ) .
ونظير هذا وعكسه ما ورد في صحيح مسلم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يأكل بشماله فقال له : - صلى الله عليه وسلم - (كل بيمينك فقال : لا أستطيع . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا استطعت . ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه ) .
وهكذا يتضح مدى أهمية طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعظم عصيانه بعدم الامتثال له بالطاعة صلى الله عليه وسلم .



الفصل الثاني : وظيفة السنة
القرآن الكريم دستور الإسلام وهو المرجع الأول في التشريع الإسلامي ، وقد جاء بمبادئ عامة لابد من بيانها وتفصيلها فجاءت السنة النبوية بهذه المهمة ، وكان لها وظيفتان أساسيتان هي :

1/ بيان السنة للقرآن الكريم : لقد كانت مهمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان القرآن وتوضيحه وتفسيره قال تعالى : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) . فالسنة النبوية بيَنت القرآن بتفصيل أحكامه ، أو بتقييد مطلقه ، أو بتخصيص عامه ، أو بتوضيح مبهمة ، أو بتأكيد ما جاء به ونحو ذلك :.
أ/بتفصيل أحكامه المجملة : فقد أمر القرآن الكريم بالصلاة والصيام والزكاة ونحوها فجاءت السنة وفصلت هذه الأحكام وبينتها قال تعالى : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ..)) . فجاءت السنة وبيَنت مقدار الزكاة ربع العشر في الأموال وهكذا .
ب/ تقييد الأحكام المطلقة في القران الكريم : قال تعالى : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم )) . فلفظ اليد ورد هنا لفظا عاما فجاءت السنة وبينت ذلك وقيدته باليد اليمنى من مفصل الكف .
ج/ تخصيص الأحكام العامة : كما قال تعالى : (( وأحل الله البيع ... )) . فالبيع حلال فهو لفظ عام يشمل البيع الصحيح ، والبيع الفاسد ولكن السنة النبوية بينت المراد من هذه الآية وهو البيع الصحيح .
د/ تأكيد ما جاء به القرآن الكريم : قال تعالى : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )) . وقال تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على اللذين من قبلكم )) . وقال تعالى : (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) . فهذه الآيات وغيرها أفادت الوجوب ، فجاءت السنة وأكدت ذلك بأحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم - ( بني الإسلام على خمس وذكر منها و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ) .
2/ استقلال السنة بالأحكام التشريعية : فقد ثبت في السنة أحكاما لم يتطرق إليها القرآن الكريم ، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها ) .
وسواء كانت السنة تابعة للقران الكريم أو مستقلة عنه ، فإنما هي مما أتانا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .



الفصل الثالث : متابعة النبي صلى الله عليه وسلم
تتأتى متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستمساك بسنته وإتباع هديه عليه الصلاة والسلام فما من خير إلا ودلنا عليه ، وما من شر إلا حذرنا منه بل وحثنا عليه الصلاة والسلام بالاستمساك بسنته والعضِ عليها قال عليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة في الدين بدعه وكل بدعة ضلاله ) .
فمن محبتنا له عليه الصلاة والسلام متابعته في الأقوال والأفعال واتخاذ ذلك أسوة حسنة قال عز وجل : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) .
وأظهر لوازم محبته - صلى الله عليه وسلم - إتباع ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه حيث قال تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) .
ومن محبته وإتباع ما جاء به الدفاع عنه ، ومجاهدة العصاة المفترين عليه الكذب المتجاهلين عقوبة الكذاب على النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : ( من كذب علي متعمدا فليتبؤا مقعده من النار ) .
ومن لوازم إتباعه - صلى الله عليه وسلم - العمل بما أمرنا به على لسان الله سبحانه وتعالى قال تعالى : (( يا أيها اللذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) .
فمتابعته - صلى الله عليه وسلم - دليل على أهمية السنة وهذه الآيات والأحاديث لم تأتي إلا في ديننا الحنيف وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - خير شاهد على ذلك .



الفصل الرابع : الاحتياط في تدوين السنة
كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - هو أول من احتاط في قبول الأخبار قال الحافظ الذهبي : ( روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب : أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا ، وما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك شيئا . ثم سأل الناس ؟ فقام المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فقال : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال له : هل معك أحد ؟ فشهد محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه ) .
فأراد بذلك التثبت في رواية الحديث ولم يقصد تهمة المغيرة ولا سوء الظن به قال الذهبي : )) فعل ذلك للتثبت في الرواية وللاحتياط في الضبط لا لتهمة أو سوء ظن )). ثم قال الذهبي : (( وإليه أبو بكر المنتهى في التحري والقبول )) .
وكذلك فعل عمر بن الخطاب مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - في حديث الاستئذان شاهدا تقوية وتثبيتا قال الذهبي - رحمه الله - في ترجمة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( وهو الذي سنَ للمحدثين التثبت في النقل ، وربما كان يتوقف في خبر الواحد فروى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن أبا موسى الأشعري سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له ، فرجع فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يُجب فليرجع ) قال أي عمر : لتأتيني على ذلك ببينة أو لأ فعلن بك كذا وكذا فجاءنا أبو موسى منتقعاً لونه ونحن جلوس فقلنا ما شأنك ؟ فأخبرنا وقال : فهل سمع أحد منكم ذلك ؟ فقلنا نعم . كلنا سمع فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره ). وقال عمر لأبي موسى : ( إني لم أتهمك ولكن أحببت أن أتثبت ) . وفي رواية قال عمر : لأبي موسى : ) أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وهكذا كان علي - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة رضي الله عنهم .




المبحث الثاني وفيه فصول
الفصل الأول : الحرص على حفظ الحديث النبوي

عنِيت هذه الأمة الإسلامية بالسنة النبوية عناية فائقة لم تسبقنا أمة بذلك ، وذلك بحفظ السنة حتى اشتهر بذلك علماء تخصصوا بهذا العلم كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم وهذا الحرص كان مراداً للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قال ذات يوم لأصحابه : ( نضًر الله امرأ سمع منا حديثا ....) . وقال أيضا في حجة الوداع طالبا من صحابته - رضي الله عنهم - أن يبلغوا ذلك فقال : ( ليبلغ شاهدكم غائبكم فرب مبلغ أحفظ من سامع ) .
قال الإمام الرازي رحمه الله : ( لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة فقال له رجل : يا أبا حاتم ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح فقال : علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها ) .
وعلى هذا أقبل الصحابة والتابعون ومن بعدهم على حفظ الحديث النبوي يحفظونه ويؤدونه لمن بعدهم ويتدارسونه فيما بينهم ، ويعتبرون ذلك عبادة ويفضلونه على صلاة النافلة قال وكيع رحمه الله : ( لو أعلم أن الصلاة صلاة النافلة أفضل من الحديث ما حدثت ) .
وكان بعضهم يقيم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعلم أمور دينه ويحفظ سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليعود إلى قومه فيعلمهم كما تعلم مالك بن الحويرث – رضي الله عنه -قال : ( أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا ، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه وكان رفيقا رحيما فقال : ( ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم ) .



الفصل الثاني : حفظ النساء للسنة النبوية
لم تكن النساء بمعزل عن الرجال بحفظ السنة فلقد بادرن وحفظن السنة النبوية فلقد أتين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلبنه أن يخصص لهن يوما كما للرجال فقال - صلى الله عليه وسلم : ( موعدكن بيت فلانة ). وأتاهن في ذلك اليوم ولذلك الموعد قال أبو هريرة : فكان مما قال لهن : ( ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة ) فقالت امرأة منهن : أو اثنتان قال : أو اثنتان ) . لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمور دينهن ويتلقين الإجابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويروين ذلك لمن بعدهن .
وها هي الجارية أتت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فريضة الحج أدركت أباها وهو شيخ كبير فهل يجزئ عنها الحج إن هي حجت نيابة عنه فيجيبها ( نعم فأدي عن أبيك ) .



الفصل الثالث : حفظ الأطفال للسنة النبوية
هكذا أيضا كان لأطفال الصحابة - رضي الله عنهم - شرف في رواية الحديث فقد ساهموا في نقل السنة صغيرها وكبيرها قال سمرة بن جندب - رضي الله عنه - : ( لقد كنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلاما فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني وقد صليت خلف - رسول الله صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وسطها ) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - كان يروي الكثير من الأحاديث وهو غلام صغير ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله وإ ذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشي لم يضروك إلا بشي قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ).
قال عبد الله بن داود : ( ينبغي للرجل أن يكره ولده على سماع الحديث ) .





المبحث الثالث وفيه فصول
الفصل الأول : الرحلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم

أشرف رحله إلى أشرف خلق الله - صلى الله عليه وسلم -
شرف عظيم بأن يذهب العبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأله في مسألة ما .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من القوم ؟ أو من الوفد ؟ قالوا : ربيعة . قال : ( مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى ) فقالوا يا رسول الله : إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مُضر فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة ....) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك ؟ قال صدق قال : فمن خلق السماء ؟ قال الله . قال فمن خلق الأرض قال الله . قال فمن نصب هذه الجبال :وجعل فيها ما جعل قال : الله . ... الحديث . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن صدق ليدخلن الجنة ) .
وبذلك ابتدأت رواية الحديث تأخذ في السعة والانتشار .
وهذا مما يدل على أهمية السنة والتمسك بها فعندما استغرب هذا الرجل وشك ذهب يقطع القفار ويسأل ويتأكد فعندما أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك اطمئن وازداد بذلك تمسكا وثباتا .



الفصل الثاني : رحلة الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم
تفرق الصحابة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمصار وازدادت الفتوحات وانتشر الإسلام في أصقاع الدنيا شرقا وغربا جنوبا وشمالا ولم يكن هناك أحدا من الصحابة جمع علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كله لكثرته الوافرة فقد رحل جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - من المدينة إلى بلاد الشام في حديث واحد (عن ابن عقيل أن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( فابتعت بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت إلى الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس فبعثت إليه أن جابرا بالباب فرجع الرسول فقال : جابر بن عبد الله ؟ فقلت نعم . فخرج فاعتنقني قلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المظالم لم أسمعه خشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يحشر الله العباد أو الناس عراة غرلاً بهما قلنا ما بهما ؟ قال : ليس معهم شي فيناديهم بصوت يسمعه من بعُد كما يسمعه من قرُب : أنا الملك لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة قلت : وكيف ؟ وإنما نأتي الله عراة بهما ؟ قال : بالحسنات والسيئات ) .
يقول الحاكم النيسابوري - رحمه الله - ( وجابر بن عبد الله على كثرة حديثه وملازمته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحل إلى من هو مثله أو دونه مسافة بعيده في طلب حديث واحد ) .
وغير ذلك من القصص والأخبار ولهذا من عظم السنة طوى لها الأرض طيا وما يدريك أي حديث يكون لك به الرفعة في الجنان والنجاة من النيران .



الفصل الثالث : رحلة التابعين ومن بعدهم
سلك التابعون ومن بعدهم مسلك من سبق من الصحابة - رضي الله عنهم - في الرحلة لطلب الحديث وسجلوا أنصع وأبهى الصفحات في تاريخ الثقافة الإسلامية وكان لهم الفضل في رواية الحديث عن الصحابة - رضي الله عنهم - حتى كان أحدهم يخرج وما يخرجه إلا حديث عند صحابي يريد أن يسمعه منه لأنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو العالية : كنا نتسمع الرواية عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بالبصرة فما نرضً حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم ) .
وقال سعيد بن المسيب - رحمه الله - ( إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد مسيرة الليالي والأيام ) .
ورحل الإمام الشعبي - رحمه الله - في طلب ثلاثة أحاديث ذكرت له وقال : ( لعلي ألقى رجلا لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
فما ضرب هؤلاء السلف هذه المسافات وتحمل المشاق إلا لما وقر في قلوبهم من أهمية السنة بل وأهمية التحقق من هذه السنة وهل هي ثابته أم غير ذلك .
هذا عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - لما سمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تبع جنازة من بيتها حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى توارى في قبرها فله قيراطان، والقيراط كجبل أحد، بكى عبد الله بن عمر وقال: والله لقد فرطنا في قراريط كثيرة ) .




الخاتمة (( النتائج والتوصيات ))
وبعد الانتهاء من هذا المبحث المتواضع لأهمية السنة والتمسك أشكر الله عزوجل أن يسَر لي وأعانني عليه أولا ثم أشكر أخي على ما أبدا لي من اقتراحات وأشار لي إليها ثم أصلي وأسلم على السراج المنير محمد عليه أزكى صلاة وأتم تسليم .

وبعد ذلك يمكننا أن نستنتج من ذلك أبرز ما توصلت إليه وهي على النحو التالي :.
1/ عٍظم السنة وأهميتها وأنها هي السبيل الوحيد بعد القرآن في معرفة الأحكام الشرعية .
2/ أن تعظيم السنة يورث العبد الطمأنينة في عباداته ومعاملاته .
3/ أن الخير كله في الإقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته .
4/ ضرب القفار والسعي للحصول على العلم لم يكن بالأمر الهيًن في ذلك الزمان والحصول على المعلومة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
5/ عٍظم هذه السنة من التحريف والتبديل فلم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يقبلون بالخبر حتى يمعنون النظر في ذلك ويستشهدون له من خيارهم كي يتثبتوا من ذلك ويتحرزون لسنته صلى الله عليه وسلم .


ومما أوصي به نفسي أولا ولجميع المسلمين في ذلك عدة وصايا هي :.
1/ حث المجتمع بين الفَينة والأخرى للتزود من السنة .
2/ نشر السنة الصحيحة كل حسب مقدرته وطاقته قال تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
3/ طباعة مطويات بأشكالها المختلفة عن السنن النبوية وأهميتها .
4/ الغرس في الأطفال الصغار حب السنة وكيف كان يتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصغار .
5/ بث برامج مرئية وصوتية عن السنة في التلفاز والمذياع ومن منبر الخطيب والإمام .
6/ التواصي بين بعضنا البعض واستغلال تلك الفرص كالبرامج الاجتماعية ( تويتر ، فيسبوك ، واتس أب ) وغير ذلك لما فيها من الفائدة وسرعة وصول تلك المعلومة ومدى انتشارها على أكبر نطاق للشخص .


فهرس المصادر والمراجع
1/ القرآن الكريم
2/ السنة النبوية ومنها :.
صحيح البخاري / هو الإمام المحدث : محمد بن إسماعيل البخاري / الجامع الصحيح / ت: 256
صحيح مسلم / هو الإمام المحدث : محمد بن الحجاج النيسابوري / صحيح مسلم / ت: 875
سنن الترمذي / هو الإمام المحدث :محمد بن عيسى بن سورة الترمذي /سنن الترمذي / ت: 279
سنن أبي داود / هو الإمام المحدث : سليمان بن الأشعث بن اسحاق / سنن أي داود / ت: 275
سنن أبي ماجه / هو الإمام المحدث : محمد بن يزيد بن ماجه / كتاب السنن / ت: 273
مسند الإمام أحمد / هو الإمام الفقيه المحدث: أحمد بن حنبل الشيباني /مسند الإمام أحمد /ت: 241
موطأ الإمام مالك / هو الإمام الفقيه المحدث: مالك بن أنس بن مالك /موطأ الإمام مالك /ت: 179
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي / د . مصطفى السباعي / المكتب الإسلامي : الطبعة الثانية 1398 / ت: 1384
معالم السنة النبوية / د . عبد الرحمن عتر / مكتبة المنار بيروت : الطبعة الثانية 1412
تذكير المسلمين بإتباع سيد المرسلين / الشيخ : عبد الله بن جار الله آل جار الله : المديرية العامة للمطبوعات بوزارة الإعلام : الطبعة الأولى 1410
تيسير مصطلح الحديث / د . محمود الطحان / مكتبة المعارف : الطبعة العاشرة 1425
معرفة علوم الحديث / العلامة : محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ت : 405
شرف أصحاب الحديث / أحمد بن عبد المجيد المعروف بالخطيب البغدادي / ت : 463
الرحلة في طلب الحديث / أحمد بن عبد المجيد المعروف بالخطيب البغدادي / ت : 463
جامع بيان العلم وفضله / العلامة : يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ت : 463
فتح الباري / أحمد بن علي بن حجر العسقلاني / ت : 852
مشكاة المصابيح / العلامة : محمد بن ناصر الدين الألباني / ت : 1420
سير أعلام النبلاء / الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي / ت: 748
تذكرة الحفاظ / الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي / ت: 748

الأربعاء، 19 مارس 2014



    1- السنة النبوية: مكوناتها وخصائصها ومقاصدها



ا - تعريف السنـة لغة وشرعا

السنة لغة هي : الطريقة والسيرة المسلوكة محمودة كانت أو ذميمة .
وشرعا هي: كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير . أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة.



ب- مكونات السنة النبوية

انطلاق من التعريف السابق يتبين إن السنة أنواع :

1- السنة القولية :
وهي ما حدث به النبي صلى الله عليه و سلم في مختلف الأغراض والمناسبات من غير اقترانه بفعل


2- السنة الفعلية :
هي الأعمال التي قام بها النبي صلى الله عليه و سلم على وجه البيان للقرآن الكريم والتبليغ عن الله سبحانه للأمة سواء اقترنت بقول أم لا .
- ويشترط كون الفعل صادرا عنه صلى الله عليه و سلم بقصد التشريع ،فتخرج الأفعال الجبلية وخصائصه واجتهاده في أمور الدنيا..


3- السنة التقريرية :
« هي ما أقره النبي صلى الله عليه و سلم مما صدر عن بعض الصحابة من أقوال وأفعال سواء أكان بمحضر رسول الله صلى الله عليه و سلم أو بمجلس آخر بسكوته و عدم إنكاره أو بموافقته واستحسانه » لأن النبي صلى الله عليه و سلم لا يسكت على منكر

4- صفته صلى الله عليه وسلم :
والتي تشمل أوصافه الخلقية والخلقية .. المجلية لخلقه العظيم

5- سيرته صلى الله عليه وسلم :
وهي الأحداث والوقائع الثابتة بالروايات الصحيحة المتعلقة بحياته صلى الله عليه و سلم وحياة الواقع حوله منذ الولادة إلى حين وفاته صلى الله عليه و سلم



ج – خصائص السنة النبوية
تتميز السنة النبوية بعدة خصائص نذكر منها :

1- خاصية الشمول :
بحيث تشمل حياة الإنسان كلها من البداية إلى النهاية ،وحضورها في كل مجالات الحياة المتنوعة، وإحاطتها بكل أبعاد الإنسان

2 - خاصية التوازن :
أي تتميز بمنهج وسط لأمة وسط لا إفراط ولا تفريط ،لا غلو ولا تقصير ،كما ورد في عدة حوادث عن النبي صلى الله عليه
و سلم أنه كان يوجه أصحابه إلى التوازن ويحذرهم من الغلو كما في قصة النفر الثلاثة


3- خاصية اليسر :

أي تتميز باليسر والسهولة والسماحة ،دون إحراج أو إرهاق كما ورد ذلك جليا في عدة أحاديث عنه صلى الله عليه و سلم منها « إنما أنا رحمة مهداة » وقوله « يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا » صحيح البخاري.



د – مقاصد السنة النبوية

وهي تتحدد من خلال مهامه صلى الله عليه و سلم

1- تبليغ القرآن الكريم : كما أمرنا الله بذلك في آيات عديدة

2- البيان للبلاغ القرآني وتوضيحه وتفصيله : قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} النحل

3- التجسيد العملي للبلاغ القرآني : فحياته صلى الله عليه و سلم وسيرته ،نموذج تطبيقي لما في القرآن الكريم . قال تعالى : «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .....»
وفي حديث عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلقه صلى الله عليه و سلم قالت : « كان خلقه القرآن »


4- التعليم والتربية والتزكية للجماعة المؤمنة المتضمنة لحسن فهم الدين والإيمان به إيمانا يدفع للعمل به والعمل له



2 – السنة النبوية مصدر للمعرفة والتشريع في الإسلام

السنة مصدر رباني للمعرفة مكمل للقرآن وتال له :

أ- السنة وحي من الله تعالى : قال تعالى : «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» فالسنة معناها من الله سبحانه بينها صلى الله عليه و سلم لنا بألفاظ من عنده . وما اجتهد فيه صلى الله عليه و سلم يقره ربه عليه بالموافقة أو التصحيح

ب- السنة قرينة للقرآن ومتصلة به مبينة له أو مخصصة لعمومه أو مقيدة لمطلقه .....

ج- أنها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم بدليل القرآن والسنة وإجماع الأمة قال تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا »
وفي الحديث « تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم»
وفي حديث آخر«ألا وإنما حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ما حرم الله عز وجل».

د- أنها التطبيق النموذجي للبلاغ القرآني وتنزيله في حياة الناس وواقعهم .


السنة ترسم المنهج التفصيلي للحياة
غالب ما جاء في القرآن الكريم قواعد عامة ومبادئ كلية.
والأحكام الجزئية المفصلة قليلة. وقد ترك القرآن الكريم للسنة تفصيل أحكامه المجملة وتقييد مطلقه وتخصيص عامه وتوضيح مشكله وتبيين مبهمه وتفصيل السنة ليس دائما على درجة واحدة . فما كان له طابع الثبوت والدوام كان التفصيل فيه أكثر حتى لا تعبث به الأهواء ويصبح في مهب رياح التلاعب في كل حين ،بخلاف ما كان له طابع التغيير والمرونة ...
فالتفصيل فيها أقل ليبقى المجال مفتوحا لتنزيلها حسب الواقع...




3 – مبادئ الفهم وضوابط العمل بالسنة النبوية

- لا بد للمشتغل بالسنة النبوية دراسة واستنباطا أن يكون عالما مجتهدا متمكنا من آليات الترجيح والتنزيل ...ومن هنا حدد العلماء جملة من الضوابط التي ينبغي الالتزام بها للوصول إلى الفهم الصحيح والتطبيق الرشيد لسنته صلى الله عليه و سلم ،ولحمايتها من المتربصين والمشككين ومنها

1- الإستيثاق من ثبوت السنة وصحتها تبعا لضوابط نقاد الحديث، والاستعانة بأهل الخبرة «علماء الحديث» في هذا المجال

2- جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد للجمع والتوقيف بينها عند الإمكان. أو الترجيح عند تعذر ذلك ..، وإلا سنقع في الاختلاف والتناقض وسوء الفهم .

3- فهم الحديث النبوي وفق دلالات اللغة العربية وعلى هدي سياق الحديث وسبب ورده ، ومراعاة المقاصد الكلية للإسلام والتمييز ما جاء من الأحاديث على وجه التبليغ للرسالة وما ليس كذلك .وماله صفة الدوام والعموم ،وما له صفة الخصوصية واللحظية ...الخ ما حدده علماء هذا الفن في هذا المجال.

4- التمييز بين الوسائل المتغيرة والمقاصد الثابتة ،فالوسائل تتغير من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى مجتمع فاعتبارها مقصودة لذاتها تؤدي إلى الخلط والزلل و..... مثل : تعيين السواك لطهارة الفم ...

5- فهم السنة في ضوء من القرآن الكريم : فلا يمكن حصول « التعارض بين سنة صحيحة ومحكمات القرآن » ،وإن ظهر شيء من ذلك فلا يخلو الأمر:
- إما أن السنة غير صحيحة .
- أو الفهم لها غير صحيح .
- أوأنه تعارض في الظاهر فقط. ولذلك ينبغي ترك ذلك للعلماء المتخصصين للتدقيق والتحري وعدم التسرع في رد الأحاديث بناء على الوهم أحيانا.ومحاولة تشويه حقيقة الاسلام والنيل منه أحيانا أخرى.



احاديث نبوية

عن سمرة بن جندب، ن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “أتاني الليلةَ آتيان ، فابتعثاني ، فانتهيا بي إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلبنِ ذهبٍ ولبنِ فضةٍ ، فتلقانا رجالٌ : شَطرٌ من خلقِهم ، كأحسنِ ما أنت راءٍ ، وشطرٌ كأقبحِ ما أنت راءٍ ، قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهرِ ، فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا ، قد ذهب ذلك السوءُ عنهم ، فصاروا في أحسنِ صورةً ، قالا لي : هذه جنَّةُ عدنٍ ، وهذاك منزلُك ، قالا : أما القومُ الذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ ، وشطرٌ منهم قبيحٌ ، فإنهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا ، تجاوز اللهُ عنهم” صحيح البخاري
عن سمرة بن جندب، ن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلةَ آتيان ، فابتعثاني ، فانتهيا بي إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلبنِ ذهبٍ ولبنِ فضةٍ ، فتلقانا رجالٌ : شَطرٌ من خلقِهم ، كأحسنِ ما أنت راءٍ ، وشطرٌ كأقبحِ ما أنت راءٍ ، قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهرِ ، فوقعوا فيه ، ثم رجعوا إلينا ، قد ذهب ذلك السوءُ عنهم ، فصاروا في أحسنِ صورةً ، قالا لي : هذه جنَّةُ عدنٍ ، وهذاك منزلُك ، قالا : أما القومُ الذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ ، وشطرٌ منهم قبيحٌ ، فإنهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا ، تجاوز اللهُ عنهم” صحيح البخاري
12 3 / 2014
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في دارِنا هذهِ، فاسْتَسْقَى، فحلبنا لهُ شاةً لنا، ثم شُبْتُهُ مِن ماءِ بِئرِنا هذهِ، فأعطَيتُه، وأبو بكرٍ عن يسارهِ، وعُمرُ تُجاهَهُ، وأعرابيُّ عن يمينهِ، فلما فرغَ قال عُمرُ : هذا أبو بكرٍ، فأعطى الأعرابيَّ فضلهُ، ثم قال : ( الأيمَنونَ الأيمَنونَ، ألا فيَمِّنوا ) . قال أنس : فهي سُنَّةٌ، فهي سُنَّةٌ، ثلاثَ مَرَّاتٍ. صحيح البخاري
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في دارِنا هذهِ، فاسْتَسْقَى، فحلبنا لهُ شاةً لنا، ثم شُبْتُهُ مِن ماءِ بِئرِنا هذهِ، فأعطَيتُه، وأبو بكرٍ عن يسارهِ، وعُمرُ تُجاهَهُ، وأعرابيُّ عن يمينهِ، فلما فرغَ قال عُمرُ : هذا أبو بكرٍ، فأعطى الأعرابيَّ فضلهُ، ثم قال : ( الأيمَنونَ الأيمَنونَ، ألا فيَمِّنوا ) . قال أنس : فهي سُنَّةٌ، فهي سُنَّةٌ، ثلاثَ مَرَّاتٍ. صحيح البخاري
09 3 / 2014
عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: كنا عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال ” أيعجزُ أحدُكم أن يكسبَ ، كل يومٍ ، ألفَ حسنةٍ ؟ ” فسألَه سائلٌ من جلسائِه : كيف يكسبُ أحدُنا ألفَ حسنةٍ ؟ قال ” يُسبِّحُ مائةَ تسبيحةٍ ، فيُكتبُ لهُ ألفُ حسنةٍ . أو يُحطُّ عنهُ ألفُ خطيئةٍ “ .صحيح مسلم
عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: كنا عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال ” أيعجزُ أحدُكم أن يكسبَ ، كل يومٍ ، ألفَ حسنةٍ ؟ ” فسألَه سائلٌ من جلسائِه : كيف يكسبُ أحدُنا ألفَ حسنةٍ ؟ قال ” يُسبِّحُ مائةَ تسبيحةٍ ، فيُكتبُ لهُ ألفُ حسنةٍ . أو يُحطُّ عنهُ ألفُ خطيئةٍ “ .صحيح مسلم
07 3 / 2014
عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: « أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكن على شيءٍ من النَّوافلِ ، أشدَّ معاهدةً منه ، على ركعتَينِ قبلَ الصبحِ ».صحيح مسلم
(-نافلة ما قبل صلاة الفجر -الصبح)
عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: « أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكن على شيءٍ من النَّوافلِ ، أشدَّ معاهدةً منه ، على ركعتَينِ قبلَ الصبحِ ».صحيح مسلم
(-نافلة ما قبل صلاة الفجر -الصبح)
05 3 / 2014
عن عائشة أم المؤمنين، قالت: أنها اشترتْ نُمرقةً فيها تصاويرٌ، فقام النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالبابِ فلم يدخلْ، فقلتُ: أتوبُ إلى اللهِ مما أذنبتُ، قال: ( ما هذه النمرقةُ ) . قلتُ: لتجلسَ عليها وتوسدَها، قال: ( إنَّ أصحابَ هذه الصورِ يعذَّبون يومَ القيامةِ، يقال لهم: أحيوا ما خلقتُمْ، وإنَّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتًا فيهِ الصُّورُ ). صحيح البخاري
ــــــــــــــ
نمرقة:  نُمْرُق ، وسادة صغيرة يُتّكأ عليها " وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ". 
عن عائشة أم المؤمنين، قالت: أنها اشترتْ نُمرقةً فيها تصاويرٌ، فقام النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالبابِ فلم يدخلْ، فقلتُ: أتوبُ إلى اللهِ مما أذنبتُ، قال: ( ما هذه النمرقةُ ) . قلتُ: لتجلسَ عليها وتوسدَها، قال: ( إنَّ أصحابَ هذه الصورِ يعذَّبون يومَ القيامةِ، يقال لهم: أحيوا ما خلقتُمْ، وإنَّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتًا فيهِ الصُّورُ ). صحيح البخاري
ــــــــــــــ
نمرقة:  نُمْرُق ، وسادة صغيرة يُتّكأ عليها " وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ". 
02 3 / 2014
عن البراء بن عازب، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أتيتَ مضجعَكَ ، فتوضَّأْ وضوءَكَ للصَّلاةِ ، ثمَّ اضطجِعْ على شقِّكَ الأيمنِ ، وقُلِ : اللَّهمَّ أسلَمتُ وجهي إليكَ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ، وألجأتُ ظَهْري إليكَ ، رَهْبةً ورغبةً إليكَ ، لا مَلجأَ ولا مَنجى منكَ إلَّا إليكَ ، آمنتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنزلتَ ، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ ، فإن متَّ متَّ على الفطرةِ فاجعَلهنَّ آخرَ ما تقولُ فقلتُ أستذكُرُهُنَّ : وبرسولِكَ الَّذي أرسَلتَ . قالَ : لا ، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ” صحيح البخاري
عن البراء بن عازب، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتَ مضجعَكَ ، فتوضَّأْ وضوءَكَ للصَّلاةِ ، ثمَّ اضطجِعْ على شقِّكَ الأيمنِ ، وقُلِ : اللَّهمَّ أسلَمتُ وجهي إليكَ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ، وألجأتُ ظَهْري إليكَ ، رَهْبةً ورغبةً إليكَ ، لا مَلجأَ ولا مَنجى منكَ إلَّا إليكَ ، آمنتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنزلتَ ، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ ، فإن متَّ متَّ على الفطرةِ فاجعَلهنَّ آخرَ ما تقولُ فقلتُ أستذكُرُهُنَّ : وبرسولِكَ الَّذي أرسَلتَ . قالَ : لا ، وبنبيِّكَ الَّذي أرسَلتَ” صحيح البخاري
28 2 / 2014
"سألتُ أنسًا رضي الله عنه، عن صيامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ما كنتُ أُحِبُّ أن أراه من الشهرِ صائمًا إلا رأيتُه، ولا مُفطِرًا إلا رأيتُه، ولا من الليلِ قائمًا إلا رأيتُه، ولا نائمًا إلا رأيتُه، ولا مَسَسْتُ خَزَّةً ولا حَريرَةً أليَنَ من كَفِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا شَمَمْتُ مِسْكَةً ولا عَبيرَةً أطيَبَ رائحةً من رائحةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .”. صحيح البخاري
"سألتُ أنسًا رضي الله عنه، عن صيامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ما كنتُ أُحِبُّ أن أراه من الشهرِ صائمًا إلا رأيتُه، ولا مُفطِرًا إلا رأيتُه، ولا من الليلِ قائمًا إلا رأيتُه، ولا نائمًا إلا رأيتُه، ولا مَسَسْتُ خَزَّةً ولا حَريرَةً أليَنَ من كَفِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا شَمَمْتُ مِسْكَةً ولا عَبيرَةً أطيَبَ رائحةً من رائحةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .”. صحيح البخاري
24 2 / 2014
عن أنس بن مالك، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَتمنَّينَّ أحدُكمُ الموتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ ، فإن كانَ لا بدَّ فاعِلًا ، فليقُلْ اللَّهُمَّ أحيِني ما كانتِالحياةُ خَيرًا لي ، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خَيرًا لي” صحيح البخاري
عن أنس بن مالك، عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يَتمنَّينَّ أحدُكمُ الموتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ ، فإن كانَ لا بدَّ فاعِلًا ، فليقُلْ اللَّهُمَّ أحيِني ما كانتِالحياةُ خَيرًا لي ، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خَيرًا لي” صحيح البخاري
21 2 / 2014
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:” كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَعَوَّذُ مِن جَهدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ “.صحيح البخاري
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:” كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَعَوَّذُ مِن جَهدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ “.صحيح البخاري
الرسول قبل البعثة
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر وينتهى نسبه إلى إسماعيل عليه السلام , وأبوه عبد الله بن عبد المطلب أحد الذبيحين المذكورين في الحديث الشريف (أنا ابن الذبيحين) يعنى جده البعيد إسماعيل , حين أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم علية السلام بذبحه , والذبيح الثاني هو والدة عبد الله وذلك أن جده عبد المطلب حينما حفر زمزم واستخرج كنوز جرهم منها , نازعته قريش فيها ولم يكن له من أبناء ينصرونه ويؤازرونه , فنذر لله أن رزقه عشرة من الذكور ليتقربن إلى الإلهة بواحد منهم , ورزقه الله عشرة من الذكور فأقرع بينهم فخرجت القرعة على عبد الله فذهب به عبد المطلب ليوفى بندرة فمنعته قريش حتى لا تكون بمثابة سابقة يعتادها العرب بعده , فاحتكموا إلى عرافة فأفتت أن يفتدي عبد المطلب ابنه بعشرة من الإبل ويقارع بينها وبين عبد الله فإن خرجت على عبد الله زاد عشرة من الإبل , ومازال عبد المطلب يفعل ذلك حتى بلغ عدد الإبل مائه فخرجت القرعة على الإبل فذبحها عبد المطلب وافتدى عبد الله والد الرسول صلى الله عليه و سلم
ومما تجدر ملاحظة أن عبد الله لم يكن أصغر أولاد عبد المطلب , خلافا لما عليه المؤرخون, فالمعروف أن العباس عم الرسول صلى الله عليه و سلم كان أكبر منه بعامين ولما كان الفداء فى العام السابق لمولد الرسول صلى الله عليه و سلم يكون للعباس حينئذ من العمر عام واحد , أما عمه حمزة فكان في مثل عمرة فكيف يكون عبد الله أصغر من هؤلاء وهو أب لمحمد صلى الله عليه و سلم
تزوج عبد الله بامنبنت وهب وهى من أشرف بيوت قريش, ولم يمضى على زواجهما إلا فترة بسيطة حتى خرج عبد الله بتجارة إلى الشام , ولكنه لم يعد إلى مكة حيث مرض في طريق عودته فذهبوا به إلى يثرب , فمات عند أخواله من بنى النجار ولم يمض على حمل زوجته أكثر من شهرين , وكأن الله أنجاه من الذبح لأداء مهمة معينة فلما انتهى منها قبضت روحه !! وقيل أن عبد الله توفي بعد مولد ابنة بعام وقيل بثمانية وعشرين شهرا والرأي الأول هو المشهور وظلت آمنة تعيش في مكة في كفالة عبد المطلب وبما ترك لها زوجها عبد الله من ثروة تقدر بخمسة من الإبل وقطيعا والغنم وجارية وهى أم أيمن
مولدة صلى الله عليه و سلم
ولما أتمت آمنة حملها على خير ما ينبغي ولدت محمد صلى الله عليه و سلم وكان حملها وميلاده طبيعيين ليس فيها ما يروى من أقاصيص تدور حول ما رأت في الحمل وليلة الميلاد , وخلت المصادر التاريخية الصحيحة كأبن هاشم والطبري والمسعودى وأبن الأثير من مثل هذه الأقاصيص , لما ذكر ابن هشام واحدة منها لم يكن مصدقا لها وقال (ويزعمون فيما يتحدث الناس والله أعلم) وتتأرجح روايات المؤرخين في تحديد مولده صلى الله عليه و سلم وهل ولد يوم الثاني أو الثامن أو الثاني عشر وهل كان في شهر صفرأو ربيع الأول وهل ولد ليلا أو نهارا , وصيفا أم ربيعا وهل كان في عام الفيل أم قبله أم بعده
والمشهور أنة ولد في فجر يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول عام الفيل ويرى الباحثون أن عام الفيل غير معروف على وجه التحديد هل كان في عام 522م أو 563م أو570 أو 571م فبحثوا عن تاريخ ثابت محقق يمكن على أساسه تحديد مولد الرسول صلى الله عليه و سلم فوجدوا أن أول تاريخ تحقيقه هو تاريخ الهجرة في سنة 622م وعلى هذا يمكن التوفيق بين رأي المؤرخين و رأي
الباحثين بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد يوم الاثنين التاسع ربيع الأول في العام الثالث والخمسين قبل هجرته

رضاعة صلى الله عليه و سلم
وكانت عادة أشراف مكة أن يعهدوا بأطفالهم إلى نساء البادية ليقمن على رضاعتهم , لأن البادية أصلح لنمو أجسام الأطفال وأبعد عن أمراض الحضر التي كثير ما تصيب أجسامهم فضلا عن إتقان اللغة العربية وتعود النطق بالفصحى منذ نعومه أظفارهم. وكان مقدار العناية والرعاية بالطفل يختلف من قبيلة لأخرى لذا حرص أشراف مكة على أن يكون أطفالهم عند أكثر هذه القبائل عناية , ورعاية وكانت أشهر قبيلة في هذا الأمر هي قبيلة بنى سعد
ولم تقف شهرة بنى سعد على أمر العناية والرعاية بالطفل فقط , بل حازت الشهرة في أن لغتها كانت عربية خالصة لم تشبها شائبة فضلا عما اشتهرت به من أخلاق كريمة طيبة لذا حرص عبد المطلب على أن يكون محمد في بني سعد فلما جاءت حليمة السعدية لتأخذه وأحست هذا الحرص طمعت في جزل العطاء فتمنعت في أخذه فلما أجزل لها أخذته وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفخر برضاعته في بنى سعد فيقول : أنا أعربكم أنا قرشي واسترضعت في بنى سعد بن بكر
ويذكر المؤرخون أن محمد عرض على جميع المرضعات اللاتي وفدن على مكة فأبين يأخذنه ليتمه وفقرة , وأنهن كن يطمعن في أبناء الأغنياء وأن حليمة ما عادت إليه الا لأنها لم تجد طفلا غيره وهذا غير صحيح فمحمد لم يكن فقيرا فهو في كفالة جدة عبد المطلب سيد مكة وكبيرها , ومثله من يطمع في عطائه وقد ذكرت المصادر أن جيش أبرهه في حملته على الكعبة قد حاز مائتين من الإبل لعبد المطلب , كما أنة فدى ابنة عبد الله بمائة من الإبل , وذبح مجموعة كبيرة منها في زواجه لا يصد عنها إنسان ولا حيوان , ويذكر اليعقوبى أن عبد المطلب عند موته لف في حلتين من حلل اليمن قيمتها ألف مثقال من الذهب فمن كان ذلك حاله أيعقل أن يكون فقيرا تترك المرضعات ولده ؟ ذلك فضلا عن إرضاع الأطفال في البادية عادة أشرف مكة وأغنيائها , أما الفقير فكانت كل أم ترضع طفلها
قضى محمد صلى الله عليه و سلم في حضانة ورعاية (حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية) وزوجها ( الباحثين بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد يوم الاثنين التاسع ربيع الأول في العام الثالث والخمسين قبل هجرته لحارث بن عبد العزى) أربع أو خمس سنوات ثم حدث ما جعلها تعجل بإرجاعه إلى أمه في مكة إذا أخبرها ابنها الصغير أن رجلين أخذا محمدا فشقا صدره واستخرجا قلبه وأخذا منه علقه سوداء ثم غسلا القلب وإعاداه إلى ما كان عليه , وقد اختلف المؤرخين في حقيقة شق الصدر هل هو حسي أم معنوي ؟ ولكن لعله يشير إلى الحصانات التي أضفاها الله على محمد صلى الله عليه و سلم فحصنته ضد مساوئ الطبيعة الإنسانية ومفاتن الحياة الأرضية
فاة أمة وجدة وكفالة عمة له صلى الله عليه و سلم
وظل محمد في رعاية أمه و كفالة جده حتى بلغ السادسة , فذهب به أمه لزيارة قبر زوجها في يثرب وقدر لها أن تموت في طريق عودتها وتدفن في الأبواء (على الطريق بين يثرب ومكة ) ويصبح محمد بعدها يتيما , ويكفله جده عبد المطلب فيحبه حبا شديدا عوضه عن حنان أمه وعطف أبيه فكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد من أبنائه ألا محمدا فكان يجلسه معه ويمسح ظهره بيده , ولكن القدر لم يمهل جده طويلا فمات بعد سنتين, فكفله عمه أبو طالب فأحبه حبا شديدا وأخذا يتعهده بعناية و رعايته , ولم تقتصر حمايته له قبل البعثة بل امتدت إلى ما بعدها فكان عونا للدعوة الإسلامية وظهرا لصاحبها على الرغم من انه لم يسلم اشتغاله صلى الله عليه و سلم برعي الغنم
ولما شب محمد وأصبح فتى أراد أن يعمل و يأكل من عمل يده , فاشتغل برعي الغنم لأعمامه ولغيرهم مقابل أجر يأخذه منهم , ويذهب البعض إلى أن حرفة الرعي وقيادة الأغنام علمت الرسول صلى الله عليه و سلم رعاية المسلمين و قيادة الأمة بعد بعثته وهذا ولا شك مبالغة كبيرة فان كثيرا غيره من الرعاة لم يصبحوا قوادا ولا ساسة كما أن الكثير من القواد والساسة لم يعرفوا عن حرفة الرعي شيئا , وهناك فرق كبير بين سياسة الحيوان والإنسان , لكن يمكن القول أن حرفة الرعي لما كانت تتم في الصحراء حيث الفضاء المتناهي والسماء الصافية والنجوم المتلألئة في الليل , والشمس المشرقة في الصباح وهذا النظام البديع في حركة الكون استرعى كل ذلك انتباه محمد فأخذ يتأمل ويتفكر ويتدبر في الكون العجيب
اشتغاله صلى الله عليه و سلم بالتجارة
وزاول محمد مهنة التجارة وهو في الثانية عشرة من عمرة (وقيل في التاسعة) وانتهز فرصة خروج عمه أبى طالب بتجارة إلى الشام فخرج معه وفى الطريق قابلهما راهب مسيحي رأى في محمد علامات النبوة فنصح عمه أن يعود به إلى مكة مخافة أن يعرفه الروم ويقتلوه
وعلى الرغم من ذكر المؤرخين لقصة الراهب بحيرا إلا أنة لا يمكن تصديقها بسهولة, لأن محمد صلى الله عليه و سلم نفسه لم يكن يعرف أنه نبي إلا بعد أخبره جبريل بذلك في الغار , وكل ما يعرفه رجال الدين اليهودي والمسيحي عن الرسالة المحمدية زمانها لا شخص صاحبها, وقد أفادت هذه الرحلة محمدا كثيرا, فعودته الصبر وتحمل المشاقة وفتحت عينية على أقوام ومجتمعات تختلف كثيرا عن قومه ومجتمعة , ومر في الطريق الذهاب والعودة على أطلال مدن عرف أنها ديار ثمود ومدين ووادي القرى وسمع عن أخبارهم الكثير
ولم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته من الشام بل كان يتاجر بالسواق مكة او بالأسواق القريبة منها كسوق عكاظ ومجنه وذي المجاز لكنه لم يجعل التجارة كل همه واكتفى منها بما يوفر له حياة متزنة سعيدة وكان كلما تقدم به العمر ازداد تفكيرا وتأملا وقضى الكثير من وقته يتدبر هذا الكون العجيب

حرب الفجار
وشارك محمد مكة الدفاع عن مدينتهم في حرب الفجار بين قريش وهوازن والتي استمر أربع سنوات كان عمر محمد في بدايتها خمسة عاما وسببها أن النعمان بن المنذر أراد يعين قائدا لقافلة تجارية من الحيرة إلى سوق عكاظ فعرض كل من البراض الكتاني وعروة الهوازنى نفسه فاختار النعمان عروة فقتله البراض, وسمعت قريش وهى من كنانة الخبر وأدركت أن (هوازن) قبيلة عروة لابد أنها ستثأر لرجلها
ووقع القتال بين الفريقين وكان في الأشهر الحرم وتراجعت قريش حتى دخلت الحرم فوعدتهم هوازن الحرب في العالم القادم وظلت هذه الحرب تجدد طوال أربع سنوات في انعقاد سوق عكاظ , ثم انتهت بالصلح بين الفريقين على أن تدفع قريش دية من يزيد عن قتلاها لهوازن فكانوا عشرين رجلا وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم وهو الفجار الرابع في تاريخ مكة
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنة قال في حرب الفجار:كنت أنبل على أعمامي (أي أجمع نبل عدوهم اذا رموهم بها)وقال في حديث آخر:قد حضرتها (حرب الفجار)مع عمومتي ورميت فيها بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت
ولذلك اختلف المؤرخين في كيفية مشاركة الرسول صلى الله عليه و سلم , وهل بجمع النبل؟أم بالرمي؟و يبدوا أن الرسول صلى الله عليه و سلم مارس العملين, فإن الحرب استمرت أربعة أعوام , كان عمر الرسول في بدايتها خمسة عشر عاما وهى لا تمكنه من الرمي فساهم بجمع النبل , وفي نهايتها كان على أبواب العشرين ربيعا فتمكن أن يساهم يرمى النبل

حلف الفضول
وكما شارك محمد صلى الله عليه و سلم قومه في الحرب شاركهم أيضا في السلم فشهد معهم حلف الفضول ولقد تحدث رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه بعد بعثته فقال (لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت
وسبب هذا الحلف أن قريشا رأت ما أصبح عليه حالها من ضعف وتفكك أدى إلى تطاول القبائل العربية عليها ومهاجمتها في ديارها في الأشهر الحرم , بعد أن كانت مرهوبة الجانب قوية السلطان ورأت أيضا ما جرته عليها حرب الفجار من قتل لرجالها وإفناء لثروتها, فقام الزبير بن عبد المطلب يدعو إلى حلف يجمع به شأن قريش ويوحد صفوفها فأجابته جميع بطون قريش وتحالفوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته
وسبب تسميته بحلف الفضول أنة كان إحياء لحلف آخر سابق فى الجاهلية دعا إليه ثلاثة اسمهم مشتق من الفضل فسموا الحلف بالفضول
زواجه بخديجة
ويبدو على الرغم من تجارة محمد المحدودة إلا انه اكتسب فيها شهرة كبيرة لأمانته وشرفة المشهود له بهما في مجتمعة ومن ثم كان الكثير من تجار مكة يعرضون عليه العمل لهم في تجارتهم مقابل أجر أكبر من أقرانه
وكانت خديجة بنت خويلد أحد أشرف مكة ومن اكبر تجارها تستأجر الرجال ليتاجروا بما لها في أسواق الشام والحبشة مقابل أجر لهم , ولما سمعت عن شهرة محمد تمنت أن يكون أحد رجالها –وكان يومها في الخامسة والعشرين من عمره–فعرضت علية أن يخرج لها في تجارة إلى الشام على أن تدفع له أجر رجلين فقبل محمد وخرج في تجارتها ومعه غلامها ميسرة وابتاع واشترى وعادت تجارته رابحة بأكثر مما كانت تتوقع خديجة, وأثنى خادمها على محمد ثناء مستطابا
وبنظرة متأنية في أمر هذه الرحلة يتضح أنه عليه السلام لم تكن هذه أول رحلة إلى الشام بعد رحلته مع عمه أبى طالب , فخبرته بالطريق والمسالك المؤدية إلى الشام , وكذلك خبرته بطريقة البيع والشراء التي عليها أهل الشام , وشراؤه السلع من الشام يروج بيعها في مكة كل ذلك يعطينا الحق في أن نقول أن محمدا قد قام بأكثر من رحلة إلى الشام قبل رحلة خديجة اكتسب فيها كل هذه الخبرة والمهارة وللأسف لم تسعفنا المصادر التاريخية بشيء من ذلك
وكانت خديجة في ذلك الوقت أرملا بلا زوج وقد عرض الكثير من أشراف مكة الزواج منها فلم تقبل لأنهم يطمعون في ثرواتها , ولكنها سمعت عن محمد صلى الله عليه و سلم من حلو الشمائل وجميل الصفات وما أغبطها وتأكدت من ذلك بعد ان عمل لها في تجارتها ورأت عن قرب من صفاته أكثر مما سمعت ولم يك إلا رد الطرف حتى انقلبت غبطتها حبا جعلها تفكر في أن تتخذه زوجا , وسرعان ما ظهرت الفكرة إلى حيز التنفيذ فعرضت عليه الزواج بواسطة إحدى صديقاتها فوافق وتزوج بها وفقا للعادات المتبعة في زواج الشرفاء من أهل مكة حيث تبدأ بخطبة من أهل العريس يوضحون فيها رغبة إبنهم في الزواج من العروس ويسمون المهر فيرد أهل العروس بخطبة أخرى يوافقون فيها ويباركون الزواج
وتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة فولدت له أولاده كلهم ما عدا إبراهيم فإنه من ماريا القبطية ولدت له من الذكور القاسم وبه كان يكنى وعبد الله وهو الملقب بالطيب والطاهر وقيل أن الطيب والطاهر أسمان لولدين آخرين ولكن الأول هو الأشهر كما ولدت له من الإناث زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة
والمشهور عند المؤرخين أن محمدا صلى الله عليه و سلم تزوج خديجة وعمرة خمسة وعشرين عاما وعمرها أربعين عاما, ولكن ابن عباس يروى أنها تزوجت الرسول وعمرها ثمانية وعشرين فكانت أكبر من الرسول بقليل, وهذا الرواية لها ما يؤيدها من تاريخ أم المؤمنين رضى الله عنها فالمعروف أنها أنجبت عبد الله بعد البعثة النبوية ولذا لقب بالطاهر الطيب , ولما كانت البعثة النبوية بعد زواجها بخمسة عشر عاما فعلى رواية الأربعين يستلزم أن يكون عمرها عند إنجابه أكثر من خمس وخمسين سنة , وكيف تنجب سيدة في ذلك السن, لذلك كانت راوية ابن عباس أقرب إلى الصحة خلافا لما عليه كثير من المؤرخين وإذا صح ما جاء في اليعقوبى من أن الرسول تزوج وعنده ثلاثون سنة وحاولنا عقد مقارنة بينه وبين رواية ابن عباس لا تضح لنا أن الرسول الله صلى الله عليه و سلم كان وقت زواجه أكبر من خديجة بعامين وعلى أية حال فقد كان زواجها مباركا وموفقا للغاية فقد وجد محمد في خديجة سكنا وسندا ورفيقا ووجدت خديجة في محمد زوجا بارا كريما فوقفت بجانبه تؤازره وتناصره مما جعله يثني عليها دائما بالخير ولم يتزوج عليها طوال حياتها
ويقفز المؤرخين قفزة زمنية واسعة امتدت عشر سنوات من عمر الرسول من الخامسة والعشرين إلى الخامسة والثلاثين, لم يذكروا عنه فيها شيئا وإن كان من المسلم به أنه لم ينقطع عن مخالطة أهل مكة والأخذ معهم بنصيب الحياة العامة وساعدته ثروة زوجته في تأمين حياته ومن ثم وجد وقتا أوسع للتفكير و التأمل والتدبير , وكأني بخديجة وقد عرفت فيه هذا الرغبة فهيأت له ما يساعد عليها بناء الكعبة
ويروى المؤرخون أن محمدا صلى الله عليه و سلم وهو في الخامسة والثلاثين شارك قومه بناء الكعبة فلقد أرادت قريش أن تهدم الكعبة وتعيد بناءها من جديد وقسمت العمل بين جميع قبائلها فكان شق الباب لبنى مناف وزهرة وظهر الكعبة لبنى جمح وبنى سهم , وشق الحجر لبنى عبد الدار وبنى أسد وبنى عدى , وما بين الركن الأسود واليماني لبنى مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم
وترددت قريش في هدم الكعبة لأنها خشيت أن يصيبهم أذى من الله , فأقدم الوليد ابن المغيرة وهدم بعضا منها , وانتظر القوم حتى الصباح لينظروا ما الله فاعل بالوليد فلما أصبح على خير, قدموا يهدمون الكعبة ثم قامت القبائل بنقل الحجارة من جبال مكة وشارك عليه السلام في حمل هذه الحجارة ثم بدأت كل جماعة في بناء ما أسند إليها فلما ارتفع البناء مقدار قامة رجل وجاء وقت وضع الحجر الأسود في مكانة تنازعت القبائل جمعيها شرف وضعه وأشتد الخلاف بينهم وتحالفت بنى الدار وبنى عدى أن يحولوا بين أي قبيلة وهذا الشرف العظيم وجاءوا بحفنة مملوءة دما و وضعوا أيديهم فيها توكيدا لإيمانهم ومن ثم سموا بلعقه الدم وباتت قريش على أهلية وتوقف البناء خمسة أيام
ويرى المؤرخون أن أبا أمية بن المغيرة وكان من قريش لما رأى ما وصلت إلية حال القبائل خشى أن ينفرط عقدها فأشار عليهم بأن يحكموا بينهم أول من يدخل عليهم فكان محمد عليه السلام فقالوا رضينا بالأمين حكما واخبروه الخبر ففرد ثوبا وأخذ الحجر ووضعه وطلب من رؤساء القبائل أن يأخذ كل منهم بطرف من أطراف الثواب فرفعوه جميعا حتى إذا بلع موضعه وضعة بيده ثم بنى عليه وكأني لا أميل إلى تصديق الرواية فالأمر قد استحر بين القبائل وأصبح شبح الحرب الأهلية قائمة فهل يعقل أن يجعل عقلاء مكة مصيرها في يد أول داخل عليهم وقد يكون هذا الداخل سفيها أو معتوها فيقع مالا تحمد عقباه فضلا عن أن الرواية تظهر محمدا وكأنه لا يعرف شيء عن هذا النزاع وأخبروه الخبر وهو الذي حمل معهم حجارتها وشاركهم بنائها
ولكنى أصدق أن قريشا لما اشتدت الأزمة ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من خلاف كان لابد من البحث عن شخص يعبر بها الأزمة ويجتاز بها الخلاف أحلى ما يميزه العقل والحكمة لا السن والمال فهما لا ينفعان في مثل هذا النوع من الأزمات فلم يجدوا بين أظهرهم أعقل ولا أحكم من محمد صلى الله عليه و سلم فاحتكموا إليه وكان الحكم السابق وعلى أية حال فإن هذا الحل كان مثاليا وعلى الرغم من سهولته ويسره فقد كان فذا عبقريا أرضى جميع الأطراف المتصارعة وجعل القبائل على قدم المساواة في نيل شرف وضع الحجر وأنتهى الصراع إلى السلام والتفاهم وانحلت مشكلة خطيرة كادت أن تؤدى بأهل مكة
ومما تجدر ملاحظته أن احتكام أهل مكة إلى محمد صلى الله عليه و سلم يدل على أنه لم يكن شخصا عاديا في مجتمع مكة وإنما كان إنسان عظيما يستعان برأيه وقت الشدة و إهتدائه إلى هذا الحل يدل على ذكاء نادر وسرعة بديهة كما أنه لفت إليه أنظار العرب قاطبة فهو وان كان الصراع داخليا بين قبائل مكة إلا أن الحدث ارتبط بالكعبة التي إليها جميع العرب
وهكذا نجد أن محمد صلى الله عليه و سلم قد شارك قومه حياتهم العادية وعاش في مكة عيشة الشرفاء المهذبين واجتمعت له كل الصفات الإنسانية النبيلة وبلغ بها مرتبة الكمال وعرفه قومه بالصادق الأمين وكانت عناية الله تكلؤه وترعاه وتحوطه من أفزار الجاهلية وتنأى به بعيدا عن مساوي البشر وإليك بعض الأمثلة
ذهب وهو طفل صغير يرعى الغنم لسماع الغناء في حفل عرس فضرب الله على أذنه فغلب عليه النوم فنام حتى الصباح ولما أراد أن يعاود الكرة عاوده النوم أيضا فلم يعد إلى مثلها أبدا
ويقول الرسول صلى الله عليه و سلم: لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعرى وأخذ إزاره فجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة فأنا لأقبل معهم وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال شد عليك إزارك فأخذته وشددته ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري على من بين أصحابي كذلك شملته عناية الله ورعايته ونأت به بعيدا عن كل ما يعيب شخصه
أشترك وهو كبير مع قومه في حمل الأحجار لبناء الكعبة وكان القوم يجعلون أزرهم على عواتقهم لتقيهم الحجارة وكان عليه السلام يحملها وهو لابس إزاره فأشار عليه العباس أن يجعل ازاره على عاتقة ليحميه فلما هم أن يفعل وقع مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك عريانا
وكان عليه السلام يذهب إلى الكعبة ويطوف بها ولكنه لم يسجد أبدا لصنم وكان يعيب على قريش عبادتها لحجارة لا تنفع ولا تضر ويقيمون لها الاحتفالات ويذبحون لها لقرابين
وكان لقريش صنما يسمى "بوانه" له احتفالات كل عام وكان أعمام الرسول وعماته يشتركون في الاحتفال وطلب أبو طالب من محمد أن يشاركهم حفلهم فرفض فغضب منه وغضبت منه عماته وأخذن يزين له ضرورة المشاركة ومازالوا به حتى ذهب معهم وغاب محمد عنهم برهة ثم عاد مفزوعا كأن به مس من الشيطان فسألته عماته عما به فقال أنى كلما دنوت من صنم منها تخيل لي رجل ابيض الثياب يصيح بي ابتعد يا محمد لا تمسنه ولم يعد بعدها لعيد لهم
ولهذا كان محمد عازفا عما فيه قومه من ضلال وأحب منذ صغره حياة التأمل والتفكير والتدبير فكان يخلو لنفسه في داره حينا ويخرج إلى الخلاء أحيانا وكلما زادت به السن ازداد بعدا عن الناس وإمعانا في التفكير لذلك التمس له غار في جبل حراء وأصبح من عادته أن يخرج إليه كل عام معه طعامه وشرابه ليقضي فيه بعض أيام شهر رمضان سابحا في تأمله غارقا في تفكيره وطالت تأملات محمد في الغار وطال تفكيره في خالق الأرض السماء وأضاءت نفسه من طول النظرة وأعمال الفكرة وكانت تزدحم الأفكار في رأسة فيسير في الصحراء ساعات ثم يعود إلى خلوته وقد صفت نفسه وانجلى ذهنه
وفجأة وعندما بلغ الأربعين من عمرة نزل علية الوحي